الأخطاء في أنساب القبائل العربية


أحذروا من الباحثين والمؤرخين الجدد في تدوين الانساب




كلمتي هذه عن موضوع مهم كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة ألا وهو الأخطاء والأوهام التي انتشرت في الكتابات المعاصرة عن الأنساب خاصة في ظل كثرة ما ينشر عن أنساب القبائل والأسر في العشر سنوات الأخيرة وأكثره غثاء أو نقول دون تحقيق أو تكرار لماسبق. وسوف أتعرض لأسباب هذه الظاهرة ثم بعض نتائجها ومن ثم الحلول المقترحة التي أرى بأنها قد تقلل من تفشيها، فأقول:




1. تشابه الأسماء:
وهذه علة قديمة نبه عليها كبار النسابين قديما وحديثا، بل هي آفة الأنساب كما أن النسيان آفة العلم


قال الهمداني في صفة جزيرة العرب: "وكذلك سبيل كل قبيلة من البادية تضاهي باسمها اسم قبيلة أشهر منها فإنها تكاد أن تتحصل نحوها وتنسب إليها رأينا ذلك كثيرا"، وقال الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في رده على ماجاء في بعض المؤلفات من نسبة قبيلة حرب إلى بني هلال في كتابه بلدة البرود ص383: "أما اسم حرب الوارد في قبيلة بني هلال فيقصد به فرع صغير، ليس من فروع القبيلة الكبيرة بينما قبيلة حرب تفوق بني هلال كثرة فروع وعددا"، وقال الشيخ عاتق البلادي رحمه الله في نسب حرب ص 75:" والقبائل تتسامى وكثير منها يلم على سميه بجهل وهو أمر نبه عليه قدماء النسابين"، وقال أيضا: " من عادة القبائل اليوم أن تلحق أي قبيلة بما يطابقها من اسم، وهو خطأ شائع". وقال محققا كتاب امتاع السامر محمد بن عبدالله الحميد رئيس النادي الأدبي بأبها وعبدالرحمن بن سليمان الرويشد المؤرخ المعروف في ص 42: "إن المؤلف وستجد هذا في أكثر من موضوع يخلط بين فروع القبائل وجغرافية الأماكن وتشابه الأحداث بجامع علاقة الاسم وهو الأمر الذي حذر منه كبار علماء النسب والتاريخ واعتمد عليه القصاصون وواضعو الأخبار قديماً وحديثاً". 

قلت: فإذا كان هذا حال العوام منذ ألف سنة كما ذكر الهمداني فكيف بهم اليوم؟، من الأخطاء التي سببها تشابه الأسماء نسبة زبيد حرب إلى زبيد مذحج، ونسبة زبيد طيء إلى زبيد مذحج، ونسبة عوف حرب إلى عوف الأوس أو عوف الخزرج أو عوف سليم، ... إلى غير ذلك والصحيح أن عوفا بطن من حرب ذكر ذلك الهمداني النسابة في القرن الرابع الهجري.





2. تشابه الديار أو تجاورها:

من المعروف أن القبائل متموجة والديار ثابتة وكون قبيلة تسكن هذه الديار أو تلك لا يعد دليلا دامغا ولا قاطعا على نسبتها إلى من سكن هذه الديار في عصر الجاهلية أو صدر الإسلام، قال الشريف النسابة محمد بن منصور في كتابه قبائل الطائف وأشراف الحجاز ص 119:" وأنا أرى أن وجود قبيلة من القبائل اليوم في منازل أخرى من قبائل العرب القديمة ليس فيه مرجح لالحاق هذه القبيلة بتلك لمجرد أننا وجدنا منازل تلك هي ديار هذه في عصرنا والسبب أن تموج القبائل في الجزيرة العربية أمر معروف من القديم فكم قبيلة كانت في الجنوب ونزحت إلى الشمال وأخرى كانت في الغرب وانتقلت إلى الشرق ". وقال البلادي رحمه الله في نسب حرب ص34: "...حتى ياقوت الحموي الذي ألف كتابه معجم البلدان في القرن السابع، يقول: إن قديدا وعسفان تسكنها خزاعة، ثم يذكر قبائل عديدة في أمكنة أخرى على هذا الطريق بينما هي قد رحلت منذ قرون، ذلك أن كتاب ذلك الزمان يصعب عليهم مشاهدة الأرض لقلة الأمن وصعوبة المواصلات لبعد ديارهم عن الحجاز، ولذلك فقد بنوا على روايات صدر الإسلام وما قبله".





3. أخطاء المؤرخين السابقين:

قد يوجد خطأ وقع فيه عالم من العلماء فيتناقله من بعده إما لشهرة قائله أو لعدم الاطلاع على مايعارضه، من أمثلة ذلك ماذكره الإمام ابن حزم في جمهرته من نسبة حرب جد قبيلة حرب إلى بني هلال بن عامر القبيلة المشهورة، ونقل ذلك عنه من جاء بعده، قال الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في كتابه بلدة البرود ص 383: "أما ماورد في بعض المؤلفات كجمهرة الأنساب للإمام ابن حزم ومن جاء بعده من نسبة حرب إلى بني هلال فهذا خطأ ناشيء عن توافق الأسماء، وعن كون قبيلة حرب لم تنتقل من اليمن للحجاز إلا في عهد متأخر بالنسبة للبدء في تدوين أنساب سكانه في القرن الثاني الهجري، لذلك لم يذكر نسبها قدماء النسابين كابن الكلبي صاحب جمهرة النسب وغيره". 

ومن تلك الأخطاء ما ذكره جارالله بن فهد المكي في نيل المنى من نسبة سبيع إلى بني لام، وما ذكره الزركلي في رحلته ما رأيت وما سمعت عن عوف ثقيف حيث قال وبعضهم ينسبهم إلى حرب.




4. الرغبة في الانتساب إلى آل البيت أو الصحابة رضي الله عنهم أو القبائل المشهورة في صدر الإسلام:
كل مسلم يحب آل البيت ويحب الصحابة، رضي الله عنهم، أما الانتساب إليهم دون أدلة صحيحة فهذا لايجوز، بل يدخل صاحبه فيما هو محظور شرعا من انتساب الرجل إلى غير أبيه أو قومه. 



5. الروايات العامية غير المستفيضة أو التي استفاضتها متأخرة:
قال الشيخ مبارك بن محمد المعيلي الحربي إمام وخطيب جامع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالخرج: " إن الروايات العامية ماهي في أغلبها إلا أساطير بالية ونسج قصاص بارعين لا يعول عليها كثيرا في علم النسب، فالواجب تعريتها وكشف زيفها لتبقى الحقيقة العلمية المؤصلة لمن أردا المعرفة الحقة والمعلومة الصادقة".
وذكر الشيخ حسان الرديعان في كتابه منبع الكرم والشمائل في ذكر أخبار وآثار من عاش من أهل العلم في حائل أن الروايات الشفوية التي لا تصل إلى حد الاستفاضة لا ترفع جهالة النسب.
وأشار أ. عبدالعزيز السناح في كتابه قبيلة مطير في كتابات المؤرخين السعوديين إلى أنه من خلال اطلاعه على بعض كتب الأنساب والتاريخ والأدب الشعبي وجد كلاما غير موثق عن أنساب بطون من قبيلة مطير ينسبونها إلى قبائل أخرى إلى أن قال: "ولعل مؤلفي تلك الكتب قد اعتمدوا على بعض الروايات العامية التي لايصح أن يعول عليها في إنكار وإثبات أنساب القبائل فكم من رواية منقولة نقضتها براهين الحقيقة وقلبتها نتائج الدراسات الوثائقية".
قلت: ويدخل في ذلك الأشعار الشعبية المصنوعة التي لا يعرف قائلها والأشعار التي قائلها ليس من أهل المعرفة، وكذلك ماكان منها من باب التفاخر المذموم أو الطعن في الأنساب، كل ذلك لا يعول عليه. 


ثانيا من نتائج تفشي هذه الظاهرة:

1. حصول اللبس والخلط في أنساب القبائل والعشائر الصريحة النسب.

2. حصول الخصومات والتقاطع بين أبناء العشيرة الواحدة:

3. ضياع جهود الباحثين في الرد على الأخطاء والشبه.

4. أن يفقد الناس الثقة في علم النسب والمشتغلين به.


ثالثا بعض الحلول المقترحة:

1. الحرص على معرفة الأنساب خاصة القريبة وتدوينها وتعليمها لأبنائنا:
معرفة النسب من أسباب التواصل والتراحم بين أفراد العشيرة والقبيلة، وهي مندوبة ومحمودة في الشريعة، قال صلى الله عليه وسلم: "تعلموا من أنسابكم ماتصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأجل، مرضاة للرب" رواه الإمام أحمد في مسنده. فالنسب مما ينبغي تعلمه والعناية به وتدوينه للتعارف والتواصل وحفظا له من الضياع ووقوع الالتباس وسدا لباب التنازع والخصومات.
وقد ذكرت الأنساب القريبة خاصة لأن التواصل فيها آكد ولأنها بعد زمن ستصبح بعيدة فإذا حفظت الآن وسجلت أمنا عليها من الضياع أو العبث في المستقبل، ولأني شاهدت في السنوات الأخيرة خلافا في الأنساب القريبة التي لا تتعدى الجد العاشر، والله المستعان.

2. قيام الباحثين من أهل العلم وطلبته بكتابة الردود العلمية الرصينة:
ويعجبني هنا رد الشيخ حمد الجاسر على راشد الأحيوي في بحثه عن فروع بني سليم في حرب المنشور في مجلة العرب فقد نقضه من أساسه في أدب جم، وعن هذا البحث قال لي الشيخ عاتق البلادي: يمدد أبو حنيفة ولايبالي. ومن المؤلفات الجيدة التي اطلعت عليها في هذا الباب كتاب أخينا محمد بن حميد الجحدلي "قبيلة الجحادلة من حرب".

3. قيام مشايخ وأعيان القبائل بالتصدي للكتابات العبثية:
وهنا أقصد الكتابات التي لا تستند إلى مصادر يعتد بها أو وثائق تاريخية أو تخالف ماهو مشهور ومستفيض استفاضة ظاهرة، ويحضرني هنا ما قام به بعض مشايخ بني عبدالله من مطير من الرد على دكتور في الفقه زعم في إحدى المنتديات أن بني عبدالله من مطير من عوف حرب وأن عوف حرب من سليم، وقد أضطر هذا الكاتب إلى حذف مافي هذه المشاركة عن نسب بني عبدالله من مطير



كتبه:
محمد بن فهد بن معتق العوفي الحربي
جدة في 21/4/1431هـ
الأخطاء في أنساب القبائل العربية الأخطاء في أنساب القبائل العربية تمت مراجعته من قبل المسعودي في أبريل 04, 2019 تقييم: 5