الجيش العثماني في غزة: بطولات رغم الهزيمة


قليل منا يعرف عن مشاركة الجيش العثماني في الدفاع عن غزة أثناء الحرب العالمية الأولى، أي في الفترة الزمنية من “1914-
1918” .


تلك الحرب التي سطّر فيها الجيش العثماني أمجادا كثيرة، فرغم النقص الحاد بالأسلحة والأعداد كان الجيش العثماني وقتها يحارب على 9 جبهات وهو في حالة يرثى لها ما تسبّب بمعاناة كبيرة للجيش، حيث التفوق الهائل  لجيش الحلفاء بالعدد والأسلحة.
وكان الجيش العثماني قد اتجه إلى معركة غزة الأولى التي سحق فيها الجيش البريطاني المدعوم بفرق أسترالية صينية هندية مصرية آيسلندية.
ولكن الأمور لم تكن بتلك السهولة للجيش العثماني، فقد تعرّض الجيش لهزائم كما كسب انتصارات في معركة غزة ،  فقد كان الدفاع عن فلسطين مسؤولية الجيش الرابع العثماني تحت قيادة الجنرال الألماني فريدريش فرايهر كرس فون كرسنشتاين.


وبالرغم من انتصاراتهم السابقة على البريطانيين،  فقد كانت كل من الروح المعنوية وأحوال قوات الجيش العثماني في حالة صعبة بسبب نقص الإمدادات والتعيينات والذخيرة ووسائل النقل وأعلاف الدواب والفرار من الجيش.
وقد كانت الجبهة الرئيسية للجيش العثماني آنذاك في العراق حيث كانت قوة عثمانية يتقدّمها ألمان بقيادة رئيس أركان حرب القوات المسلحة الألمانية السابق (ومخطط معركة ڤردن)، الجنرال إريك فون فالكنهاين، تقوم بتجريدة لاستعادة بغداد من البريطانيين.
وقبيل تجدد الهجوم البريطاني، خضعت القوات العثمانية لإعادة تنظيم لتشكيل الجيش الثامن ليعمل في جنوب فلسطين، وقد كان الجيش الثامن ينقسم إلى فرقتين وضم 9 ألوية مشاة ولواء فرسان،  ولواءً آخرا،  اللواء 20، الذي  لم يصل بعد عند اندلاع المعركة.
أما الدفاع عن غزة كان مسؤولية الجيش العشرين الذي كان يتألف من ثلاثة فرق في الخط الأمامي (الفرق 53، 3، 54 من الغرب إلى الشرق) وفرقتين في الاحتياط (7 و 19)،  وشرق غزة كان الجيش العشرون موزّعا بأعداد قليلة، إذ كانت الفرقتين 26، 16 متواجدتين من العطوينة إلى الحريرة والفرقة 27 تدافع عن بئر السبع في أقصى الميسرة (الشرق).


أما من ناحية الجيش البريطاني ، فبعد تعيين اللنبمي قائدا للقوات الإنجليزية في غزة قام بزيادة عدد وعتاد القوات التي تحت تصرّفه، كما تم استبدال الطبيعة الاستثنائية لهيكل الجيش بتنظيم اعتيادي.
فبدلا من القوة الشرقية (تشكيل يشبه فيلق) بقيادة دوبل، كان هناك فيلقان مشاة وفيلق خيالة متمثلة في لواء الفرسان الخفيف الثالث التابع للفرقة الجبليـة الأسترالية و اللواء الثامن الجبلي البريطاني.
كانت معركة (مرتفع بوغار) أول تحرّك للبريطانيين نحو شن هجومهم الواسع المرتقب ، واستهدفت تحطيـم الخط غزة_ بئر سبع الدفاعي، الأمر الذي يتيح لهم السيطرة على مسافة قدرها 50 كلم داخل فلسطين .
و بانتهاء أعمال مد أنابيب المياه وخط السكة الحديد من تل الفرح إلى كارم استكملت التحضيرات اللوجستية للمعركة، ولحماية ذلك المستودع الحيوي من قصف البطاريات العثمانية المتواجدة بمعقل أبو حريرة، أمر الجنرال شوفال بتحويل قوات المقدمة المؤقتة إلى خط دفاعي دائــم وحدّد هذا الخط بأن تكون حدوده من الشرق للغرب عند نقطة المزرعة التي تخترق طريق بئر السبع.
من وجهة نظر العثمانيين كان استيلاء الحلفاء على كارم بمثابة خلق نقطة إمداد بالمياه والتعيينات لكي يواصلوا عملياتهم دون خوف من الناحية اللوجستية ، لكن موضع مستودع كارم كان يضعه في مرمى نيران بطاريات المدفعية التركـية المتواجدة في منطقة أبو حريرة وما يسمى بنظام رشيدي الذي أمسى يشكّل عائقا قويا أمام الحلفاء وكانت كارم قلب تلك المنطقة.
وللتغلّب على ذلك اقترح الجنرال فالكنهاين هجوما بمرحلتين، الأولي بتنفيذ عملية استطلاع بالقوات لبئر السبع يوم 27 أكتوبر نظرا لأن كل الهجمات العثمانية التي انطلقت تمّت منها.

قبيل معركة غزة الثانية

تم إرسال جنود وضباط من الفرقة 23 المرابطة في إسكندرونة ومن الفرقة 24 لتعويض قسم من الخسائر البشرية غير المسترجعة (القتلى والإصابات الثقيلة التي لم تشفى) الناتجة عن معركة غزة الأولى (الفوج 79 ) وتم تعويض خسائره بجنود وضباط من الفرقة 23.

ولكن لم تشأ القيادة العثمانية ترك مهمة الدفاع عن تل المنطار لفوج آخر غير الفوج 79 نتيجة لما أبداه من تميز في الدفاع عن التل في معركة غزة الأولى.
وبينما يرابط الفوج 79 في تل المنطار الذي كان يدافع عنه في معركة غزة الأولى، وإضافة لسرايا المدافع الرشاشة العثمانية الأصيلة التي كانت ضمن ملاك الأفواج (سرية في كل فوج)، تم دعم الفرقة أيضا بسريتين ألمانيتين إضافيتين من المدافع الرشاشة.
وكانت المواقع الدفاعية العثمانية قادرة بشكل كبير على دعم بعضها بالنيران وعمل سد ناري في الفواصل التي بينها.
وتقدّر المصادر البريطانية قوات العثمانيين وحلفائهم المنشرة في مواجهتهم بحوالي 25 ألف، منهم 18 ألف فرد مشاة قتالي مسلح بالبنادق (فيكون الباقي من سريتي الفرسان والهجانة إضافة لطواقم المدفعية والمدافع الرشاشة إضافة إلى فرقة الفرسان الثالثة التي تحتوي حوالي 1500  فردا مسلحين بالسيوف وما تبقى لوجستيين.

معـركة غزة الثانـية

بعد ضياع النصر من البريطانيين في معركة غزة الأولى، قاموا بشن هجوم ثانٍ على غزة تدعمهم مدافع أسطولهم وبعض الدبابات، وتمثَّل هدفهم في تحطيم الدفاعات العثمانـية على طول خط غزة – بئر السبع الدفاعي ، في حين كان هدف الأتراك بعد انتصارهم في معركة غزة الأولى أن يتمكنوا من إيقاف الحلفاء من التوغل أكثر في فلسطين
ولذلك حاول كل من القائدين دوبل وموراي خلال اجتماعاتهم بمجلس الحرب في المملكة المتحدة وصف هجومهم الأول على غزة بالناجح، مما أعطى الساسة في بريطانيا إشارات إيجابيـة بسرعـة لاستئناف الهجوم، وكانت خطة الجنرال دوبل شبيهة لحد كبير بخطة الحلفاء في الجبهة الغربية “ألمانيا” وذلك بقصف تحضيري على مواقع العدو لمدة يومين، يليه هجوم بري بالمشاة على خنادق العدو، فيما كان القادة الميدانيون كالجنرال تشتود والجنرال شوفيل أقل تفاؤلا بشأن فرص نجاحهم في تحطيم الخط الدفاعي التـركي.

تمّت زيادة عدد القوات بإمرة الجنرال دوبل ليصبح قوامها 4 فرق مشاة ” 52 و 53 و 54 و 74 المكونة من أولوية سلاح الفرسان” مع فرقة أنزاك الفرقة الجبلية و لواء الإبل البريطاني، وستكون الفرقة 74 و فرقة أنزاك احتياطي المعـركة. ولرغبة بريطانيا في تطبيق خطة هجومها في الجبهة الغربية في قتالها ضد الأتراك، قررت إدخال الغاز السام و6 دبابات لأول مرة إلى ساحة الجبهة الشرقية
أما القوات التركية الموجودة في المنطقة فيرجّح عددها ما بين20 ألف إلى 25 ألف، فيما تمّت تقوية الدفاعات التركية منذ المعركة الأولى لغزة، حيث في غرب الخط الدفاعي يوجد حصن غزة، ومن الشرق توجد معاقل أتونيا وهيراريا وشيريا وبعد معقل شيريا كانت الدفاعات أقل قوة، ونظرا لندرة مصادر المياه في المنطقة قرّر الأتراك استخدام سلاح الفرسان في شن هجماتـهم
وتم شن الهجوم الثاني على غزة صبيحة يوم 17 إبريل بعد قصف تحضيري ضد التحصينات التركية لمدة يومين متتالين، وقد اشتركت في مرحلة القصف التحضيري المدافع الثقيلة لسفن الحلفاء المتواجدة على ساحل غزة، ورغم عنف القصف إلا أنه لم يكن في مستوى القصف على الجبهة الغربية ولهذا كان تأثيره ضعيفا على تحصينات غزة.
وفي صباح يوم 19 إبريل، تم الشروع في الهجوم البري، وتم التركيز على الاستيلاء على النقطة القوية في المنطار جنوب شرق غزة، لدرجة إطلاقهم قذائف الغاز السامة، ونتج عن طول فترة القصف التحضيري أن الأتراك استعدّوا جيدا لملاقاة البريطانيين وقاموا بتقوية دفاعاتهم، وظهر قصور آخر في خطة الهجوم البريطاني، في أن قصفهم تركّز على التحصينات دون بطاريات المدفعية التركية.


وبدأ الهجوم البري على غزة وخسر البريطانيون دبابة كانت تقوم بدور إسناد لمشاتهم، وفي الساعة 7.15 تقدّمت الفرقة 53 من أقصى غرب الجبهة للاستيلاء على منطقة الشاطئ بين غزة والبحر المتوسط ، وبعد فترة قصيرة، قامت الفرقة 52 بالهجوم في الوسط في مواجهة مدينة غزة والنقطة القوية في منطار والفرقة 54 قامت بالهجوم من على يمين الجبهة ضد معقل تانك، عانى البريطانيون من خسائر جسيمة على طول خط الجبهة فتوقف الهجوم.
معقل الدبابات

أما بالنسبة للدبابات فتم نشر الدبابات الخمس المتبقية على طول الجبهة وانحصر دورها في جذب نيران العدو بعيدا عن قوات المشاة، وقامت إحدى تلك الدبابات بدور هام في يمين الجبهة حيث الفرقة 54 فقد ساعدت المشاة في إنجاز مهامهم المطلوبة.

وكان في مواجهة نقطة “معقل الدبابة” اللواء 161 من الفرقة 54 وعلى يمينهم كانت توجد الكتيبتان الأولى والثالثة من لواء الإيل الإمبراطوري الذين قاموا بالترجّل من على الجمال ، وبدأوا هجومهم الساعة 7.30 وشاركتهم الهجوم دبابة واحدة تسمي ذانوتي البندق” التي قامت بجذب نيران المدفعية، وتلى ذلك تمكّن الدبابة من الصعود على قمة ربوة عالية وقامت بإطلاق النار على العدو حتى توقفوا عن إطلاق النار.
في حين عانت قوات المشاة وكتيبة الإبل الأولى من خسائر جسيمة في طريق زحفهم، وقرروا الهجوم على خنادق العدو، فتم تجهيز قوة من 30 جملا و 20 جنديا من المشاة التابعين لفوج نورفلك ووصلوا إلى معقل أحد الخنادق وكان في مواجهتهم 600 تركي قاموا بدفعهم نحو خط الدفاع الثاني في عمق الجبهة ولمدة ساعتين كان البريطانيين والأستراليين يتراجعون لخطوطهم في ظل ظروف قاسية ولم يتم تعزيزهم بأي قوات، في وقت كان الأتراك على وشـك شن هجوم مضاد عليهم، ولذلك عملوا على النجاة بحياتهم والعودة لخطوطهم، وإلى اليمين غرب معقل الدبابة كانت كتيبة الإبل الثالثة تتقدم في فجوة بين معقلين للأتراك وكان ذلك أقصى ما وصلوا إليه، إلا أن ظروف تعثّر جمالهم أدت إلى التراجع خوفا من إمكانـية تطويقهم ..
وكان التقدم البريطاني من ناحـية شرق الجبهة يتم عبر معقل اتونيا وكان البريطانيون يتقدمون على النحو التالي: من اليمين إلى اليسار، لواء الفرسان الرابع الخفيف ولواء الفرسان الثالث الخفيف واللواء الجبلي الخامس والفرقة الجبليـة الإمبراطوريـة التي يقودها الجنرال هودجسون، كانت الأوامر الموكلة إليه غامضة، حيث طلب منه جذب انتباه المواقع التركية المواجهة له لمنعهم من نقل جزء من قواتهم لتعزيز القوات العثمانية في غزة ، إذا رأى الفرصة مواتيـة لذلك.


وبدأ لواء الفرسان الثالث تقدمه قبيل الفجر بمهاجمة الحافة الجنوبية لمعقل اتونيا،  وتمكّنوا من الاقتـراب من المعقل حتى أضحى في مرمى أبصارهم، إلا أن هجومهم لم يكن على نفس الوتيرة من التقدم ولهذا كانت توجد وحدات متأخّرة عن بعضها البعض، وعند وصولهم على بعد 500 ياردة، قام لواء الفرسان الرابع والخامس بتقدم مماثل في قطاعاتهم حيث لا توجد خنادق تركية مقابلهم وبهذا حققوا نصرا واهماً

وبعد الظـهر ، تم تعزيز الفرقة الجبلية الإمبراطورية باللواء السادس الجبلي يومناري وبذلك كانت كل الاحتياطات البريطانية قد تم الزج بها لساحة المعركة وعلى الرغم من ذلك لم تكن هناك فرصة لنجاح هجومهم ضد الأتراك
وبذلك كان الهجوم متعثرا على كافة الخطوط، ولم يحقق البريطانيون سوى مكاسب ضئيلة لا تتناسب مع عظيم خسائرهم في القتال، وفي ناحية الشاطئ جهة الغرب شن الأتراك هجوما مضادا ناجحا ضد البريطانيين وقاموا باسترداده.
وفي الساعة الثالثة عصرا، اعترض البريطانيون رسالة تركية يقولون فيها بعدم احتياج غزة لمزيد من التعزيزات، وعلى الفور، وجّه البريطانيون معظم احتياطاتهم  للهجوم على غزة، على أن يبدأ شن الهجوم صباح اليوم التالي مع إمكانية اشتراك الفرقة 74 في الهجوم، لكن الهجوم تأجّل لمدة 24 ساعة قبل ساعات من تنفيذه، وكان هناك قلق يساور البريطانيين من شن الأتراك لهجوم مضاد لكن ذلك لم يحدث.
نتيجة الهجوم

مما سبق، يتّضح أن معركة غزة الثانية تعد هزيمة كارثية للبريطانيين، فمع أي تقدم ضئيل للأتراك كان يوقع بهم خسائر فادحة وبخاصة في قوات المشاة، وتمّت إقالة كلّا من دوبل وموراي لإخفاقهم المهين في المعركة، وقرّر مجلس الحرب ببريطانيا إسناد حملة فلسطين إلى الجنرال إدموند اللنبي وأمدّته بمزيد من القوات ليكون قادرا على كسر خط غزة – بئر السبع الدفاعي والاستيلاء على مدينة القدس.

وكانت خسائر البريطانيين تتجاوز الـ6 آلاف قتيل وجريح، وكانت أعظم الخسائر في الفرقة 54 للمشاة ، في حين كانت مجمل خسائر الأتراك تتجاوز الـ2000 قتيل وجريح.
كانت معركة الباجر ريدج أول تحرّك للبريطانيين نحو شن هجومهم الواسع المرتقب، واستهدفت تحطيـم الخط غزة_ بئر السبع الدفاعي، الأمر الذي يتيح لهم السيطرة على مسافة قدرها 50 كلم داخل فلسطين، وبانتهاء أعمال مد أنابيب المياه وخط السكة الحديد من تل الفرح إلى كارم  استكملت التحضيرات اللوجستية للمعركة، ولحماية ذلك المستودع الحيوي من قصف البطاريات التركية المتواجدة بمعقل أبو هاريير وأمر الجنرال شويفل بتحويل قوات المقدمة المؤقتة إلى خط دفاعي دائــم وحدّد هذا الخط بأن تكون حدوده من الشرق للغرب عند نقطة المزرعة مرورا بالنقطة 510 والنقطة 550 والنقطة 630 ثم جنوبا حيث النقطة 720 التي تخترق طريق بئر السبع بمنطقة الباجر
قام الحلفاء بحشد القوات التالية والمتمثلة في لواء الفرسان الخفيف الثالث التابع للفرقة الجبليـة الأسترالية واللواء الثامن الجبلي البريطاني واللواء 158 “شمال ويلز” واللواء 160 “ويلز” التابعين للفرقة 53 مشاة ولواء المشاة 229 البريطاني من الفرقة 74 ومجموعة مدفعية لواء الفرسان 96 ” أقل من 4 بطاريات” و بطارية مدفعية من لواء المدفعية 117 الميداني
أما الأتراك وطبقا للواء حسين أمير حسنو كانت لديهم بمنطقة بئر السبع القوات التالية والتي كانت تحت إمرة عصمت “بك” وهي الفوج 125 مشاة التابع للفرقة 16 وفوج مشاة من الفرقة 27 وفرقة الفرسان الثالثة واللواء 125 مدفعية
خطــة الهجوم

من وجهة نظر العثمانيين كان استيلاء الحلفاء على كارم بمثابة خلق نقطة إمداد بالمياه والتعيينات لكي يواصلوا عملياتهم دون خوف من الناحية اللوجستية ، لكن موضع مستودع كارم كان يضعه في مرمي نيران بطاريات المدفعية التركـية المتواجدة بمنطقة أبوهاريير وما يسمي بنظام رشيدي الذي أمسى يشكّل عائقا قويا أمام الحلفاء وكانت كارم قلب تلك المنطقة
وللتغلب على ذلك اقترح الجنرال فالكنهاين هجوما بمرحلتين، الأولى بتنفيذ عملية استطلاع بالقوات لبئر السبع يوم 27 أكتوبر نظرا لأنها كل الهجمات العثمانية التي انطلقت تمت منها
في الساعة الرابعة من صباح يوم 27 أكتوبر تم إطلاق النار على قوات الاستطلاع بمنطقة الباجر من قبل قوات سلاح الفرسان التركي، وأعقب ذلك الحادث بساعة توسع الاشتباكات حيث انضم 2000 جندي من المشاة بالإضافة إلى 1200 جندي من سلاح الفرسان العثمانـية مع وجود دعم من 3 بطاريات للمدفعية يمكن زيادة عددها إلى 12 بطاريــة إذا اقتضى الأمــر، وبالتالي ابتعدت تلك القوات عن خط كاويكا لمهاجمة الحلفاء الذين يحتلون حافة الخط.
الاشتباك الأول حدث عند النقطة 630 بين فوج المشاة 125 العثماني حيث طلب منه أن يقوم بإشغال العدو عن أجنحة المعركة مع جذب نيران مدفعية العدو الثقيلة، وطبقا لطائرة بريطانية حلقت فوق موقع المعركة ذلك اليوم أن عدد القوات العثمانية يعادل 2000 جندي والجنود البريطانيون يوشك أن تُمنع عنهم الإمدادات.
ولإنقاذ الموقف، أرسل سرب من يومناري لتعزيز القوات البريطانية عند النقطة 630، لكن تلك القوة المتقدمة قوبلت بنيران شديدة من المواقع التركية وبعد عدة محاولات لدخول النقطة 630 تم إرغامه على الانسـحاب، وأرسلت مساعدة أخرى تقدّر بقوة سربين من لواء الفرسان العاشر الخفيف تمت إعاقتها أيضا، وعلى الرغم من ذلك قاومت الحامية البريطانية عدة محاولات تركية للقضاء عليهم حتى ساعة متأخرة من المساء.
وفي النقطة 720 كان القتال عنيفا وشرسا، بسبب كبر قوة الهجوم العثمانية المشكّلة من 1200 جندي من سلاح الفرسان “الفرقة 3 فرسان” وكتيبة من فرقة المشاة 27 تدعمهم القذائف الثقيلة، وأطلقت القوات العثمانية هجومين تم صدهما وبعد إعادة تنظيـم للقوات انطلق هجوم ثالث ضد السرب “ب” من فرقة يومناري الذين صمدوا لمدة 3 ساعات قبل أن يتم سحقهم عدا 3 رجال والباقي ما بين قتـيل وجريــح
ولمساندة القوة المحاصرة تم إرسال سربين من لواء الفرسان التاسع تجاه نقطة 720 في تمام الساعة 3 عصرا بالإضافة إلى لوائي مشاة من الفرقة 53 كانا يتحركان نحو حافة الخط الدفاعي كاويكا وفي الساعة 7 مساء اكتشفت دورية لأحد الضباط أن القوات العثمانية في النقطة 720 قد انسحبت مما سمح لهم بإعادة احتلال الباجر ريدج دون أي إصابات.
الخسائر في معركة غزة الثانية

تتقارب المصادر الألمانية والعثمانية مع المصادر البريطانية في تقدير خسائر القوات العثمانية، باستثناء التفاوت في المصادر المختلفة حول عدد القتلى، فقد بلع عدد القتلى العثمانيين وفقا للمصادر المختلفة ما بين 82 إلى 402، وعدد المصابين ما بين 1337 إلى 1364 وعدد المفقودين ما بين 242 إلى 247.

كانت الحرب على الشعوب العثمانية، بعمومها، أثقل بكثير؛ فالدولة العثمانية في 1914 لم تكن قد استفاقت بعد من حربي البلقان الأولى والثانية (أكتوبر/ تشرين أول 1912 ـ أغسطس/ آب 1913)، التي لم تستنزف العثمانيين ماليا وعسكريا وحسب، بل وتسبّبت في هجرات هائلة لمسلمي الجانب الأوروبي من الدولة، لم تكن الدولة قد انتهت من استيعابهم تماما عندما اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى
من جهة أخرى، ارتكزت بريطانيا، التي قادت الحرب ضد العثمانيين في جبهات غاليبولي وسيناء وفلسطين والعراق، إلى ثقل الإمبراطورية ودول الكومنولث السكاني ومقدراتها، من هنود وأستراليين وكنديين ونيوزيلانديين، وهو ثقل لم يكن باستطاعة العثمانيين معادلته.
كما خفف خروج الروس في نهاية 1917 من الحرب، بعد الثورة الشيوعية، من الأعباء العسكرية التي كان على العثمانيين تحملها، ولكن الحرب في ذلك الوقت كانت تقترب من نهايتها، وأصبح واضحاً أن دول الوسط ستكون الطرف الخاسر، على أية حال، سيما بعد دخول الولايات المتحدة طرفاً إلى جانب الحلفاء.
تعتبر الحرب العظمى أولى الحروب الصناعية الكبرى، خاضت غمارها الدول الثلاث الأسبق إلى التصنيع في العالم: بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
لم ترتكز الحرب إلى الحشد البشري والمثل والإيمان بالحق وحسب، بل وإلى مستوى التقنية والصناعة العسكرية، طرق الاتصال والنقل الكفؤة، ومستوى الخدمات الطبية والصحية الضرورية
في كل هذه المجالات، كانت الدولة العثمانية لم تزل متخلفة بأشواط عن الدول الأوروبية الرئيسية، التي دخلت العصر الصناعي منذ نهاية القرن الثامن عشر، ووفرت لها الإمبراطوريات الاستعمارية فائض ثروة وسوقاً كافية للمضي في مسيرة التطوير الصناعي.
ورغم أن العثمانيين حاولوا  توفير المال الضروري لتحقيق انطلاقة صناعية، ولكن الجهود العثمانية كانت بطيئة، أثقلتها في النهاية الديون وخسارة الأسواق المحلية لصالح الاختراقات الغربية.
وعندما اندلعت معركة غزة الأولى في آذار/ مارس 1917، كان البريطانيون قد بنوا 388 ميلاً من السكك الحديدية على طريق الحرير القديم بين القنطرة ورفح، عبر شمال سيناء.
ومع توالي سلسلة من المواجهات الدموية في شبه جزيرة سيناء، خلال 1915 ـ 1916، أوقفت الدفاعات العثمانية الباسلة الجيش البريطاني من آذار/ مارس 1917 إلى تشرين أول/ أكتوبر من العام نفسه أمام مدينة غزة، موقعة به خسائر فادحة في معركتي غزة الأولى والثانية.