الشاعر عبدالله المسعودي الهذلي

عبدالله بن مستور المسعودي الهذلي 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



عبدالله بن مستور المسعودي الهذلي ولد سنة 1359هـ في قرية الفوارة شمال شرق مكة المكرمة في ديار قومه وفيها نشأ وترعرع 
 وعلى الرغم من أن المسعودي رحمه الله كان أميا لا يقرأ ولا يكتب إلا أنه كان شاعرا موهوبا مطبوعا لمّاحا, ذكيا «لا تفوته إشارة ولا تخفى عليه عبارة» ولا تند عنه شاردة ولا واردة في المحاورة, ولا عجب في هذا فالشاعرية موهبة لا يصنعها التعليم ولا تخلقها الثقافة.
كان شعر (النظم) ينثال على لسانه كشلال من الماء العذب البارد الزلال, وشعر (المحاورة) ينحدر من فيه قويا كجلاميد الصخر تنحطّ من عل, وكصهيل الخيل المضطربة في حومة الوغى.

الشعر منذ الصغر فقبيلته هذيل قبيلة شعر ولها تاريخ أدبي معروف ومحيط عائلته يزخر بالشعراء منهم والده وخاله سايف المسعودي. وبدأت بوادر موهبته الشعرية من خلال رده على بيت شعري لعمه الذي كان يئن من الحزن على فقد زوجته متكئًا تحت شجرة قائلًا:

العشية (ماجد) الفنجال مصلف يابناخي

ماجده وأنا على الفنجال صايبني قلية

فرد عليه عبدالله المسعودي على الرغم من صغر سنه قائلًا:

الصلف ما نعرفه ياعم مير نقول صاخي

والله أعلم بالحوال اللي عليها المشهوية



الحكمة والجزالة 

في سن السادسة عشرة من عمره انتقل من البادية إلى مكة المكرمة وبدأ يتعمق في الحياة المدنية والتي زادت من ثقافته واتساع أفقه الأدبي . عرف عنه الصدق والوفاء وحسن الأخلاق والفطنة والذكاء ورواية الشعر والرأي والمكانة العالية بين قومه وقلة الكلام وفكاهة المجلس وأنس الجالسين معه والمصاحبين له وحفظ القرآن من خلال سماع الإمام والقراء وأثرت الأمية وانعدام التعليم في بداية حياته خاصة في القرى على مستواه التعليمي ولم يلتحق بالمدرسة فعاش أميًا لا يعرف القراءة والكتابة ولكنه أديب ومثقف.

ولكنة طرق أغلب الفنون الشعرية المعروفة في الحجاز وبمنطقة مكة المكرمة تحديدًا وقد برز بشعر المحاورة والقصائد والحداء والكسرة والمجالسي والمجارير والشقر وغيرها. وعرف بالجزالة الشعرية والحكمة في أبياته المكتملة البناء والمعنى وخلوها من الحشو والضعف لحسن انتقائه للمفردة اللغوية المناسبة والتوظيف الأدبي الذي أجمع عليه النقاد والمتذوقين للشعر الحقيقي. 



تحدي الشعراء

وبلغ به التحدي لشعراء المحاورة النظم التعجيزي على أسلوب( المسودس) وهو أن يكون في البيت الشعري الواحد ست قوافي كرد على كرت دعوة وجده في منزله وكتب عليه ( الدرب شام) إشارة للتحدي في الحفل الذي وجد فيه الشعراء مطلق الثبيتي ومستور العصيمي ومحمد بن تويم وهلال السيالي فأنشد قائلًا:

سلام/ردية عجل / وأبطى عليه لين أشوف

بين الصفوف / لكل جمع الحاضرين / أثني سلام

الشام / مالي فيه أهل / وأنا ليا جيت معروف

ياهل الظروف / اللي عليها كاتبين / الدرب شام

وفي نفس السياق أيضًا تحديه والافتخار بموهبته الشعرية التي وصلت للقمة مما جعل محاوراته صعبة المنال في بيته الشهير:

أنا ما همني في الوقت لا مطلق ولا مستور

مركبها على قمة جبل وتهز رجليها

واشتهر المسعودي بفن (المجالسي) وله عدد من المجالسيات الشهيرة وفي أبيات من إحداها يقول:

يا ألله ياللي للخطايا سموحي

في يدك يالمعبود تدبير روحي

ياغافر الزلات حقق طموحي

في الطيب ولا الشين مالي نظر فيه

ودي بطرقة مير صعبة ظروفي

وأيامنا مابين أمان وخوفي

جاهدت فيها لين كلت سيوفي

واحد تقبله وواحد تجافيه

وفي شعر الحداء (الزومال) له مشاركات عديدة منها قوله:

سلام يا أهل النوب ياللي راسمينه ليل جمعة

من هاجس ماحط للرديان والأنذال سمعة

وإن جات حاجة للجماعة في طريق النصر شمعة

ماهو سواة اللي يصك النور ويفك الظلام

ياسيفنا المسلول ياللي فيك حد وفيك لمعة

لو تكثر الأطماع ياسيف البدو مافيك طمعة

والميت اللي مات لاتذرف عليه العين دمعة

للنار والاّ يدخل الجنة لعله للرحام



نجم المحاورة

وفي شعر المحاورة كان نجمًا لامعًا فبرع وتفوق وأبدع ووصف بالجزالة والحكمة لتميز محاوراته ومقارعته لكبار الشعراء أمثال محمد الجبرتي ومطلق الثبيتي وصياف الحربي وجار الله السواط ومستور العصيمي وغيرهم وأصبح المسعودي مطلبًا للجماهير المحبة لشعر المحاورة وتميز بقوة بيت الشعر في النقض والفتل وأخذت محاوراته مع الجبرتي طابع الندية الخاص وفي إحداها بدع الجبرتي قائلًا:

سلام الله بردية يا عبدالله يا بـن مستـور

سلام من الهجوس اللي يدنّ اجريسها دنّي

أنا ضايق عليك وضيقتي عوجا كما الباكور

عساك اتحلهـا والا تزيـد العلـم وتغنّـي

الــــمــــســــعـــــودي

هلا يا مرحبا يا شاعرٍ منك الوفا مخبـور

وأنا ما قول غير الصبر منكم والوفا منّي

لعلّ الضيقة العوجا يظلّي عودها مكسور

وتصبح ما معك عودٍ عوج يالمطرب الفنّي

الــــجــــبــــرتـــــي

الا يالله ياللي معتني بالنسـر والعصفـور

أنا مدري عن العصفور وهو ما درى عنّي

لو إنّ الاسم واحد كلها عند الرجال طيور

لكنّ إنت اسمك العصفور وأنا النسر قابلنّي

الــــمــــســــعـــــودي

ألا ياشين حظك يالحصان اللي تخدم الثور

مغير الثور ياكل والحصان يجيب ويدنّـي

تبا تنفخ وأنا بنفخ ومن يطبخ بغير قـدور

وعينك ما تشوف إلا بطن ذيب ولحم جنّي

وينسب للمسعودي ابتكاره للموال في محاورته مع جار الله السواط وبدأ المسعودي منشدًا:

إخوتي وأنا أخوكم / ماش ثوب(ن) بلاكم / 

السلام عليكم / ورحمة الله وبركاته



نهاية مؤلمة

ولا شك أن المسعودي من الشعراء المجددين في المحاورة وله بصمة واضحة ولا يختلف على شاعريته الفذة وأسلوبه الراقي مع أنه توفي - رحمه الله رحمة واسعة- شابًا دون الأربعين سنة 1399هـ في رحلته التجارية إلى بانكوك عاصمة تايلند بعد أن زلت قدمه وسقط في حوض للماء بأحد الفنادق وآلم محبيه بفراقه وله أبيات قبل وفاته بوقت قصير تشعر بدنو أجله منه:

ضميري لامني قدام أكمل دربي الماشي

يقول أصحى كفاية وش بقى من عمرك الفاني 

مضى من عمرك الثلثين ضيعته على لا شي

أبا كف الضرر قدام أعلق فوقك العاني

وقلت له تنبه ياضميري تسمع الواشي

أنا رجال عاقل وأعرف الأول من الثاني

مضى ثلث المراغة والجهالة والعقل ناشي

ولا يبقى لنا في صفحة الجهال عنواني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يغب المسعودي عن ذاكرة الشعر والشعراء وخاصة المهتمين بشعر المحاورة ويعتبر شاعر قبيلة هذيل الأول واهتم به الباحثون والمؤلفون وأبرز هذه الجهود ديوان المسعودي للمؤلف رشيد سعود العميري وديوان المسعودي للمؤلف غازي أبو تاكي المسعودي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ


منقول